لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ. مز 92: 15
حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا الأَمْرِ أَنْ تُمِيتَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ. حَاشَا لَكَ! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟». تك 18: 25
هُوَ الصَّخْرُ الكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ. تث 32: 4
لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ. رو 2: 11.
في هذه النصوص التي ورد ذكرها نجد
أن الله إله عادل ولا يحابي أو يتحيز لأحد، ولكن المُعترض يجد نصوص آخري تُخبرنا
بغير ذلك مثل:
«مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». تك 9: 25
لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ
تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ
الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ.
خر 20: 5.
وبعد أن يسرد المعترض هذه النصوص
يخرج بالنتيجة أنه إما الله غير عادل دائماً أو أنه يوجد تناقض في الكتاب المُقدس.
وللرد علي هذا التساؤل يجب علينا أن نبحث في كل نص مما أورده لنعرف ماذا يقصد
تحديداً لأن الكتاب المُقدس ليس في قرائته بل في فهمه كما يقول ق. هيلاري[1].
1- مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ
الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». (تك 9: 25).
المشكلة التي يراها المُعترض هُنا
هي في أن كنعان لم يُخطئ ولكنه أُخِذَّ بذنب أبيه.
يجب أن نعرف أن هذه ليست لعنة أصلاً بل نبؤة عن شعب الكنعانيون، لإن كنعان نفسه لم يُستعبد قط ولا نسله ولا نسل نسله حتي جاء الوقت الذي فيه آخذ أرضهم الإسرائيليون بقيادة يشوع، "فالشعوب التي كان يتم الإستلاء علي اراضيهم كانوا يدعون عبيداً حتي وإن لم يخدموا فعلياً في البيوت[2]". فإن دعوة كنعان بعبد العبيد أي النزول إلى أدنى صور العبيد إنما هي نبوة عن الكنعانيين الذين أصبحت أرضهم فيما بعد ملكاً للإسرائيليين (يش 9: 23، 1 مل 9: 21)، وهم أيضاً الذين عاندوا الله وانحرفوا إلى الرجاسات الوثنية مثل تقديم أبنائهم ذبائح للأصنام (لا ١٨: ٢٥– ٢٨؛ تث ٢٠: ١٧، ١٨). وهكذا فسر النص الفيلسوف ق. يوستينوس فيقول:
"قد تنبأ نوح أن ذرية سام سوف تمتلك مساكن وممتلكات كنعان، وهذه بدورها سوف تنتقل من الساميين إلي ذرية يافث[3]".
وهنا يقصد القديس يوستينوس أن اليهود (الساميين) قد استولوا علي ارض كنعان، وبعدهم
أتي نسل يافث متمثلاً في الرومان ليستولي علي ارض كنعان، وهكذا صار الكنعانيون
مستعبدون من أنسال سام ويافث. وهكذا قد فسر ق. يوستينوس –وبحق- النص بأكمله علي
أنه نبؤة عما سيحدث في المستقبل وليست عقوبة.
ويقول ق. أغسطينوس:
"إذ تأملنا في المشكلة السابقة لوجدنا حلها أمرًا سهلاً جدًا. فالنبي كان يتنبأ عن تلك اللعنات التي أوشكت أن تحدث. فهو لم يكن يرغب فيها بل كان يتكلم بها بروح من يراها مقدمًا. كذلك كلمات الرب وكلمات الرسول، فهي لا تحوي أمورًا يرغبونها للآخرين بل نبوات عنهم. إن السيد المسيح عند قوله "الويل لك يا كفرناحوم "لم ينطق سوى بما سيلحق بها من شر نتيجة عدم إيمانها، وإن هذه اللعنات لا يرغب فيها الرب حاقدًا عليها، بل يراها بسلطانه الإلهي"[4].
فكما نري أنه لم يؤخذ بذنب أبيه
ولم يحدث له أي شر من الأساس، بل فقط تنبأ النبي نوح عما سيحدث لنسل كنعان بن حام
في المُستقبل البعيد. والنبؤة بما سيحدث ليست لعنة أو عقاب. وإلا أعتبرنا نبؤة نبي
الإسلام عن تشتت المُسلمين من بعده إلي 72 فرقة أنها عقوبة من الله وليست مُجرد
رؤية نبوية لما سيحدث.
2- لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ. خر 20: 5
فكيف يتذكر أو يفتقد الله ذنوب
الاباء في الابناء!
أولاً: ينتهي النص بكلمة (من
مُبغضيَّ) وتكررت أيضاً في (تث 9: 5 .. من الذين يبغضونني)، فلا يمكن أن يتابع
الله حركة الخطية من الاباء إلي الأبناء دون أن يكون الأبناء يعيشون أيضاً نفس
حياة الخطية وبُغض الله. ولهذا يقول العالم ألان كول: "أن عبارة (إلي
الجيل الثالث والرابع) تُشير إلي معني الإستمرار وليس المقصود منها المعني الحسابي[5]".
فإفتقاد الله لخطايا الاباء لا يحدث إلا إذا أستمرت الخطية وتحولت من فعل إلي عادة
متأصلة في أجيال هذا النسل. هكذا
تظهر طول أناة الله على البشريّة. وللقديس ﭽيروم تعليق جميل على ذلك
بالنسبة لطول أناة الله على الإنسان إذ يرى الله لا يعاقب الإنسان في الحال على
فكره الطاريء ولا على الجيل الأول حينما يتقبل الفكر إلى حين لكنه يؤدب على الجيل
الثالث والرابع حينما تتحول الأفكار إلى أعمال وإلى عادات متأصلة ومستمرة، إذ
يقول: "هذا يعني أن الله لا يعاقبنا في الحال على أفكارنا ونياتنا بل يرسل
التأديب على أولادهم أي على الأفعال الشريرة والتي صارت عادات للخطيئة النابعة
عنهم"[6].
ثانياً: كلمة (يفتقد) هذه الكلمة لا تعني يُعاقب أو حتي يُدين، بل فقط تعني يزور، ففي العبرية جائت (פקד- بقاد) وهي تعني يزور زيارة ودية[7]. وهكذا تُرجمت بمعني يزور في كل النصوص المُتشابهة مع هذا النص والتي تتحدث عن إفتقاد ذنوب الاباء في الابناء وغيرها ايضاً[8]. فالله يُباشر أو يتطلع من السماء ويتتبع خطايا البشر هل تحولت لعادة وترسخت في أجيال هذا النسل، وهو لا يُراقب فقط في صمت بل يحاول معهم بكل الطرق ويرسل لهم أشخاص ليعيدونهم عن طريق الشر، فنجده يقول:
(كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! مت 23: 37)، (فَقُلْ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: ارْجِعُوا إِلَيَّ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 4لاَ تَكُونُوا كَآبَائِكُمُ الَّذِينَ نَادَاهُمُ الأَنْبِيَاءُ الأَوَّلُونَ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الشِّرِّيرَةِ وَعَنْ أَعْمَالِكُمُ الشِّرِّيرَةِ. فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُصْغُوا إِلَيَّ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5آبَاؤُكُمْ أَيْنَ هُمْ؟ وَالأَنْبِيَاءُ هَلْ أَبَداً يَحْيُونَ. 6وَلَكِنْ كَلاَمِي وَفَرَائِضِي الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا عَبِيدِي الأَنْبِيَاءَ أَفَلَمْ تُدْرِكْ آبَاءَكُمْ؟ فَرَجَعُوا وَقَالُوا: كَمَا قَصَدَ رَبُّ الْجُنُودِ أَنْ يَصْنَعَ بِنَا كَطُرُقِنَا وَكَأَعْمَالِنَا كَذَلِكَ فَعَلَ بِنَا». زك 1: 3- 6).
وهذا يُذَّكرنا بما فعله الرب مع الشعوب السبعة الذين
تركهم أكثر من 400 عام حتي يتوبوا ويرجعوا عن شرهم ولم يفعلوا ( راجع تك 15: 12-
21).
ثالثاً: لو كان هذا حكماً إلهياً
علي أن يحمل الأبناء أخطاء أبائهم لعملت به الشريعة الموسوية في الأنظمة التي
وضعتها للقضاء، لكن علي العكس فتؤكِّد الشريعة للقضاة
ألاَّ يُعاقب عضو من الأسرة بسبب عضو آخر، إنَّما يلتزم كل واحد أن يتحمَّل
مسئوليَّة نفسه، لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ
الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ
بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ (تث 24: 16).
وقد طبَّق أمصيا بن يوآش ملك يهوذا هذا المبدأ، فقد "قتل عبيده الذين قتلوا الملك أباه، ولكنَّه لم يقتل أبناء القاتلين حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى حيث أمر الرب قائلاً: لا يُقتل الآباء من أجل البنين، والبنون لا يُقتلون من أجل الآباء" (2 مل 14: 6).
[1] To constans, 2: 9. P. L. 10: 570
[2] تفسير الكتاب
المُقدس، جون ماك ارثر، ص 73
[3]الحوار مع
تريفون، فصل 139.
[4] تفسير العظة علي الجبل، 21: 72
[5] التفسير الحديث ص 177
[6] Epis. 130: 9
[7] للإستزادة يمكنك الرجوع
إلي القواميس التالية:
Enhanced
Brown-Driver-Briggs Hebrew and English Lexicon: פָּקַד
The Hebrew &
Aramaic Lexicon of the Old Testament, CD-ROM Edition: פקד
The Complete Word
Study Dictionary: Old Testament: 6485. פָּקַד pāqaḏ
Dictionary of
Biblical Languages With Semantic Domains: Hebrew (Old Testament): 7212 פָּקַד
Gesenius'
Hebrew-Chaldee Lexicon to the Old Testament: פָּקַד
The new Strong's dictionary of Hebrew and Greek words: pâqad פָּקַד
[8] بعض النصوص التي تُرجمت فيها كلمة (פקד- بقاد) إلي (زيارة)
Exod 20:5
visiting the iniquity of the fathers on
Exod 34:7
visiting the iniquity of the fathers on
Num 14:18
visiting the iniquity of the fathers on
Deut 5:9
visiting the iniquity of the fathers on
Gen 21:1
• The Lord visited • Sarah as
he had said,
Exod 4:31
they heard that
the Lord had visited •
Num 16:29
or if • they are visited
by the fate
Ruth 1:6
visited • his people and given • them food.
1 Sam 2:21
Indeed the Lord visited
• Hannah, and she
Ps 17:3
you have visited
me by night, you have
Prov 19:23
satisfied; he will
not be visited by harm.
Isa 26:14
to that end* you
have visited them with •
Isa 29:6
you will be visited
by the Lord of hosts