الجمعة، 1 سبتمبر 2023

ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟ (3- العدد الهائل لمخطوطات وترجمات العهد الجديد)

 


هناك خمسة آلاف وسبعمائة مخطوطة يونانية للعهد الجديد موجودين. وعدد هذه المصادر فى إزدياد. كل عقد وكل سنة، مخطوطات جديدة تُكتشف. فى الوقت الذى تتوفر فيه كتابات أى مؤلف كلاسيكى بمتوسط عشرين مخطوطة فقط، فإن العهد الجديد – فى مخطوطاته اليونانية فقط – يتعدى هذا المقدار بنحو ثلاثمائة مرة. بجانب المخطوطات اليونانية، فهناك اللاتينية، القبطية، السيريانية، الأرمينية، القوطية، الجيورجية، العربية، وترجمات أخرى كثيرة للعهد الجديد. عدد المخطوطات اللاتينية أكثر من عشرة آلاف. بعد كل هذا، فإن العهد الجديد تمثله مخطوطاته بأكثر من ألف مرة تقريباً من متوسط كتابات المؤلف الكلاسيكى. حتى المؤلفين المعروفين – مثل هوميروس وهيرودوت – لا يرقون للمقارنة مع كمية النسخ التى يتمتع بها العهد الجديد. فى الحقيقة، فهوميروس يقع فى المركز الثانى من حيث عدد مخطوطاته، لكن هناك أقل من ألفين وخمسمائة مخطوطة باقية لهوميروس اليوم. الذى يعنيه هذا أن نُقاد نص العهد الجديد لا يفتقرون للمادة. لدينا بيانات متمهلة للعمل معها، وتمكننا من إعادة تكوين صياغة العهد الجديد الأصلى فى كل مكان تقريباً. وحينما يكون هناك شكوك، فلدينا شهادة المخطوط. نحن لم نُترك للتخمين، دون إرشاد هذه الوثائق، فى كل مكان فى العهد الجديد تقريباً.[1]

يقول العالم ف. ف. بروس F. F. Bruce:" ربما أمكننا تقدير مدى ثراء العهد الجديد بالمخطوطات إذا ما قارنا بينه وبين غيره من الأعمال التاريخية القديمة. فلم يتبق سوى عدد قليل من المخطوطات لكتابات قيصر عن حروب الغال (كتبت بين عامي 58 ، 50 ق.م.) منها تسع أو عشر مخطوطات فقط لا تزال صالحة ويفصل بين أقدمها وبين عصر قيصر حوالي 900 سنة. ومن بين 142 كتاباً للتاريخ الروماني الذي كتبه ليفي (59 ق.م. - 17م) هناك 35 كتاباً فقط لا تزال باقية. وهذه الكتب التي وصلت إلينا لم نعرفها إلا من خلال ما يقلّ عن 20 مخطوطة فقط. واحدة من هذه المخطوطات فقط، وهي التي تحوي أجزاء من الكتب من الثالث إلى السادس، ترجع إلى القرن الرابع. ومن بين 14 كتاباً لتاريخ تاسيتوس (حوالي 100م) هناك أربعة كتب ونصف فقط ما زالت موجودة، ومن بين حولياته التاريخية التي تبلغ 16 كتاباً بقي 10 كتب كاملة وكتابان غير كاملين. ونصوص هذه الأجزاء المتبقية لاثنين من أعماله التاريخية العظيمة تعتمد بشكل كلي على مخطوطتين ترجع إحداهما إلى القرن التاسع والأخرى إلى القرن الحادي عشر. أما المخطوطات المتبقية لأعماله الصغرى (Dialogus de Oratoribus, Agricola, Germania) ، فمصدرها مخطوطة ترجع إلى القرن العاشر. أما تاريخ ثوسيديدس (حوالي 460-400 ق.م.)، فقد وصل إلينا في ثماني مخطوطات ترجع أقدمها إلى حوالي سنة 900م، وبعض أوراق البردي القليلة التي ترجع إلى بداية العصر المسيحي. وينطبق الأمر نفسه على تاريخ هيرودت (488-428 ق.م.) ومع ذلك لا يقبل أي دارس للكتابات الكلاسيكية أي تشكيك في موثوقية كتابات هيرودت أو ثوسيديدس لأن أقدم مخطوطاتها الهامة يفصل بينها وبين الأصل أكثر من 1300 عاماً."[2]


و هذا أيضاً ما يُمكن قراءته عند العالِم بروس ميتزجر حينما قال : "حفظت لنا أعمال الكثير من المؤلفين القدامى من خلال خيط رفيع جداً من المخطوطات المتناقلة. فمثلاً انتقل التاريخ الوجيز لروما الذي كتبه فيليوس باتركلوس إلى العصور الحديثة عبر مخطوطة واحدة غير كاملة صدرت عنها الطبعة الأولي - وهذه المخطوطة الوحيدة فقدت في القرن السابع عشر بعد نسخها على يد بيتوس ريناوس في أمبرباخ. كما أن الحوليات التاريخية للمؤرخ الشهير تاسيتوس بقيت الكتب الستة الأولي منها فقط من خلال مخطوطة واحدة ترجع إلى القرن التاسع. وفي عام 1870 احترقت المخطوطة الوحيدة المعروفة لـ الرسالة إلى ديوجنيتس في المكتبة المحلية لمدينة شتراسبورج وهذه الرسالة من المؤلفات المسيحية المبكرة التي تعتبر ضمن كتابات الآباء الرسوليين. وعلى النقيض من هذا كله، يجد الناقد النصي للعهد الجديد نفسه في حيرة بسبب كثرة المخطوطات التي بين يديه." [3]


أما فى حالة العهد الجديد , فنحن نمتلك بحسب أحدث إحصائية قام بها العالِم ميتزجر , نحو 5664 مخطوطة يونانية للعهد الجديد [4] وما بين 8000 – 10000 مخطوطة للترجمة اللاتينية التى قام بها القديس جيروم فى القرن الرابع وتُسمى "الفلجاتا" Vulgate , بجانب نحو 8000 نُسخة من بقية الترجمات التى تُرجِم إليها العهد الجديد فى القرون الأولى للمسيحية. هذا ما يُؤكده العالم بروس ميتزجر قائلاً[5] :" كمية مادة العهد الجديد تُحرج أى مقارنة بالكتب الاخرى من العصور القديمة , فبجانب العهد الجديد , الكمية الاكبر لشهادة المخطوطات هو إلياذة هوميروس , التى كانت بمثابة إنجيل اليونانيين القدماء. ويوجد منها اليوم أقل من 650 مخطوط يونانى. وبعضها متجزأ الى اجزاء , وقد وصلت إلينا من القرن الثانى والثالث الميلادى وما بعده. وعندما نتأمل ان هوميروس قد أعّد ملحمته حوالى سنة 800 ق.م , يُمكنك ان ترى فجوة كبيرة جداً"


و كما رأينا وقبِل العلماء نصوص الكلاسيكيات القديمة , رغم أن أقدم المخطوطات الموجودة لها كُتِبت بعد كتابة الأصول بفترات طويلة وقرون هذا عددها , ورغم أن عدد نُسخها قليل جداً , فإنه بات واضحاً الآن أن مصداقية وموثوقية نص العهد الجديد أصبحت شىء أساسى لدى العلماء[6].



الاقتباسات مأخوذة عن كتاب مدخل للنقد النصي للعهد الجديد لفادي عاطف... 

[1] دان والاس، خلع يسوع عن عرشه، الفصل الاول

[2] The New Testament Documents , Are They Reliable? , By F. F. Bruce , P. 16 - 17

[3] The Text Of The New Testament , By Bruce M. Metzger , P. 34

[4] تتنوع أحجام وأشكال هذه المخطوطات , فنحو 200 منهم يحتوى على نص العهد الجديد كاملاً , ونحو 50 مخطوطة تحتوى على كل العهد الجديد ماعدا الأناجيل الأربعة , ونحو 1500 تحتوى كل أو معظم الأناجيل فقط , وأخيراً فالبقية الكبرى تحتوى على إصحاحات أو أعداد من سفر أو سفرين من العهد الجديد.

[5] القضية للمسيح (تحقيق صحفى شخصى للشهادة عن يسوع) , تأليف لى ستروبل , ترجمة الأستاذ سعد مقارى , إصدار مكتبة دار الكلمة LOGOS , الطبعة الاولى: القاهرة 2007 , الفصل الثالث , ص 77

[6] أفضل طريقة يُمكن بها معرفة مدى ثراء نص العهد الجديد هو مقارنتها بالكتابات العلمانية , فلو نظرنا الى كتابات شكسبير والتى ترجع الى القرن السادس عشر والسابع عشر , ورغم هذا نقرأ قول العالم جيروم ماك جان :" هناك إتفاق عام أن المشاكل النصية فى (كتابات) شكسبير لها من التعقيد البالغ , حتى انه لا يوجد نص يُمكن إثباته و يُشير الى الموافقة العامة على الحسم (أى النتيجة الحاسمة)." أنظر:

Textual Criticism and Literary Interpretation , By Jerome J. MacGann , P. 5

فحينما تكون نسبة التحقق من النصوص فى كتابات شكسبير الذى من القرن السادس عشر شبه مستحيلة , فحقاً يستحق ذاك الكتاب العظيم الإنحناء إجلالاً وتقديراًَ أمام نسبة موثوقية نصوصه الرهيبة!

مقالات مبسطة في العلاقة بين العلم والدين (6) - الصراع بين العلم والتفسيرات الدينية الخاطئة!

 


في المرات اللي فاتت اتكلمنا عن نشأة وتطور الصراع بين العلم والدين، ودور رجال الدين المسيحي وموقفهم من الصراع دا، وإزاي إن غالبيتهم – على عكس ما يُقال – كانوا مع العلم مش ضده.. وفي البوست دا هنناقش إزاي إن الصراع فعليًا مكانش بين العلم والدين، لكن كان بين العلم والتعاليم اللاهوتية المبنية على أساسات غلط..

تليسكوب جاليليو كان هو اللي فنِّد نهائيًا تفسير: " قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ: "الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ فَلاَ تَتَزَعْزَعُ" (مز96: 10) على إنه نص كتابي بيثبت ثبات الأرض وعدم دورانها، وقتها، تحقق العالم، بإن علم الفلك الجديد انقص من قدر المُفسرين وحدهم، لا الكتاب المُقدس (G. Salmon, The Infallibility of the Church, pp. 230ff).

فالاعتراضات الناتجة عن اللاهوتيين دول مكانتش خطأ في نصوص الكتاب المُقدس، بقدر ما كانت خطأ عقولهم اللي كان عندها قِصر نظر مُزمن وضعف شديد في الفكر والتدليل، وفوق كل ده هي مُناقضة للكلمات الحكيمة والأعمال المُتعقلة لمنهج مؤسسي المسيحية. والغريبة إن كتير من الجاهلين بينسبوا الأحداث دي لنزعة الدين نفسه!
واحد من الاهوتيين الأنجليكان وصف المشهد ده بشكل ممتاز، لما قال: " إنَّ هؤلاء اللاهوتيون أخفقوا في التمييز بين الفجر وبين الضوء المُنبعث عن حريقة امتدّ لهبها، انصرفوا وهم أعداء النور"
(Balmes's Le Protesiantisme compare an Catholicisme, Paris, 1855, vol. ii.

نفس الرأي بيقول بيه رئيس أساقفة سبولدينج في كتابه:
. L'Epinois, Galilee, pp.22.)

ففي الحقيقة آباء الكنيسة مكانش بيهمهم أبدًا الدخول في المواضيع دي، وكانوا بيعتبروها جهد بائد ملوش قيمة بالنسبة للمُعلِم الكنسي، لإن مش دوره إنه يدرس للناس العلوم، فبيكتب يوسابيوس القيصري:
"إننا لا يجب أن نُفكر في مثل هذه الأشياء، لا لأننا نجهلها، بل لأننا نزدري عملاً تذهب نتائجه سُدى، لذا يجب أن نوّجه أرواحنا في سبيل أتم نفعًا وأسرع انتاجًا".

والقديس باسليوس الكبير كمان بيقول:
"إنه لمن أتفه الأشياء أن نعرف إن كانت الأرض كرة أو اسطوانة أو قرص، أو أنها مُقعرة الوسط".

ونفس الكلام دا اتقال من يوحنا ذهبي الفم وإفرام السرياني، وغيرهم:
(للمزيد راجع الشواهد دي من كتابات الآباء: For Eusebius, see; the Prcep. Ev., xv, 61. For Basil, see; the Hexameron Hom. ix. For Lactantius, see; his Inst. Div., lib. iii, cap. 3; also, citationsin Whewell, Hist. Induct! Sciences, London,1857 ,vol. i, p. 194, and in St. Martin, Histoire de la GSograpkie, pp. 216,217)

بيوصف مشهد الصراع دا، وإنه مش من نتاج الدين نفسه، لكن من بعض رجاله، وبيقول العلاَّمة أندور وايت (لا أدري): "إنَّ النظريات اللاهوتية قد تحطمت وذهبت بددًا وأجزاءًا في أواخر القرن الثامن عشر، أمّا عُقلاء اللاهوتيين فقد تريثوا مُتلبثين، أمّا الحمقى منهم فقد نزعوا إلى الإنذار والتهديد ليقتلعوا جذور الإنكار والكفر، وأنكروا العلم مُعلنين أن الأناجيل صحيحة، في حين أنهم لم يعنوا بقولهم هذا سوى أن الفهم المحدود الذي فهموا به الأناجيل، والذي ورثوه عمن سبقوهم، هو الصحيح"
(Andrew Dickson White, A History of the Warfare of Science with Theology in Christendom (Cambridge Library Collection - Religion), Vol. 1, P. 48.).

دا كمان رأي المُطران إيريثيئوس فلاخوس، وهو اللاهوتي الأرثوذكسي المُعاصر، وواحد من اللي لهم باع كبير في إرساء التعاليم الآبائية في عصرنا الحاضر، بيقول:

"يصبح اللاهوت دهرياً عندما يرفض جوهره الذي هو قيادة الإنسان إلى التطهر والاستنارة والتمجيد، أي عندما يخسر توجهه الأخروي، وعندما يصبح مؤرّخاً ومجرد جزء من المجتمع. إلى هذا، فاللاهوت يصبح دهرياً عندما يسوده كلياً القلق وعدم الأمان في مواجهة الحجج العلمية بينما هو يستعمل منهجية العلم في التكلم عن الله. في هذه الحالات، يخلق اللاهوت مشاكل في البحث. بالواقع، يضيّع اللاهوت مهمته إذا لم يكن عنده معطيات وافتراضات أكيدة" (مقال عن الأرثوذكسية والعلم، ترجمه عن اليونانية الأب أنطوان ملكي).

مقالات مبسطة في العلاقة بين العلم والدين (5) - لاهوتيون ورجال دين ساندوا العلم في القرون الوسطى!

 


في المرات اللي فاتت اتكلمنا عن الإيمان وعلاقته بالعقل، واستعرضنا مع بعض عرض تاريخي مُختصر لنشأة الحرب بين العلم والدين، في البوست دا هنتكلم عن رجال الدين اللي ساندوا الأبحاث العلمية والعلماء، في فترة القرون الوسطى، وفي وقتنا الحالي.

دا لإن في فكرة غلط عن إن الكنيسة هي اللي هيجت الحرب ضد العلم والعلماء، ودا مش صحيح 100%، لإن الكنيسة كانت خصم أخير بيحتكموا إليه لما بيختلف العلماء حوالين النظريات العلمية، لإن محاكمة الموضوعات الشبيهة بدا كانت مُهمتها الرئيسية في الوقت دا، ودا طبعًا كان شيء غلط جرها لكتير من السقطات، لكن مكانتش هي شعلة البداية..

فاتنين من رجال الكنيسة هما: نيكولاس شونبرج Schonberg كاردينال كبوا، وتدمان جيزي Tiedeman Giese أسقف كولم ألحوا على كوبرنيكوس إنه ينشر اكتشافاته. حتى إن ويل ديورانت المؤرخ والفيلسوف اشهير (وهو لا أدري) بيقول: "حقيقة أن باباوات النهضة لم يقفوا موقف العداء من العلم. فقد استمع ليو العاشر وكليمنت السابع إلى أفكار كوبرنيق بذهنين مفتوحين، وتقبل بولس الثالث في غير خوف إهداء كوبرنيق كتابه له، "كتاب الدورات" الذي زلزل العالم" (قصة الحضارة، المُجلد الرابع عشر، ص 115).

وسنة 1581 شيَّد الأسقف كرومر نصب تزكاري لكوبرنيكوس على السور الداخلي لكتدرائية فراونبورج.

الراهب اليسوعي يوسف أكوستا، كان لكتابه: "جزر الهند طبيعيًا وأدبيًا"، أثر مُهم جدًا على تصليط الضوء على الأخطاء الفلكية والجغرافية (Andrew Dickson White, A History of the Warfare of Science with Theology in Christendom (Cambridge Library Collection - Religion), Vol. 1, P. 125).

البابا بولس الخامس كان على علاقة جيدة بجاليليو وكان بيدعوه بـ"أكبر فلكيِّ الأرض"، وكان بيدعوه دايمًا لزيارة روما. (Ibid, P. 134).
المُصلح الشهير جون ويسلي، وهو مؤسس منهاج كنيسة الإخوة البلاميث حاليًا، قال بفساد نظرية بطليموس وصدق تعاليم كوبرنيكوس (Ibid, 144.).

توماس بارنت، في مُقدمة كتابه: "النظرية المُقدسة في أصل الأرض- Sacred Theory of the Earth"، كتب يقول: "إذا أمكن البرهنة بالدليل القاطع، خلال البضع سنوات التالية، على أن الأرض تتحرك، بطريقة نافية لكل شك، فإن الذين قاوموا هذا المذهب، مُتخذين من نصوص الوحي أسلحة تقدموا بها في ميدان المُناقشة، سوف يجدون من الأسباب التي تدعوهم إلى طلب التوبة والمغفرة، ما كان يجده القديس أغسطينوس للتكفير عن خطئه لو كان حيًا اليوم". (المقصود بخطأ القديس أغسطينوس هو قوله بمذهب الـ"أنتيبود- Antipode"، وهو المذهب الذي يقول بالجهة المُقابلة للجهة المسكونة من الأرض- Ibid, 149.).

الأبوان ريتشولي وبوسكوفيتش اليسوعيان كانت لهم محاولات في إعلاء نظرية جاليليو إلى مصاف النظريات المنطقية.
سنة 1757 راجع البابا بندكت الرابع عشر بنفسه نظريات كوبرنيكوس وجاليليو، وأمر المجمع بالسماح للكتابات دي بالتداول بين العامة فنها لا تحوي أخطاء لاهوتية، والغريب إن الدكتور الجامعي "لالاند- Lalande" هو اللي حاول يمنع تنفيذ القرار دا (Ibid, 155.).

كان لجاليليو أصدقاء كثيرون من "اليسوعيين"، وعمد كريستوفر كلافيوس اليسوعي Christopher Clavius إلى إثبات ملاحظات جاليليو بملاحظاته هو نفسه. وأطنب يسوعي آخر في مدح جاليليو على أنه أعظم الفلكيين في الوقت دا. كمان في لجنة من الباحثين الجزويت، عينها الكاردينال بللارمين Bellarmine لفحص كشوف جاليليو. فكتبت تقرير أيدت فيه كل النقاط. ولما سافر لروما في 1611 أكرم الجزويت مجيئه على أنه "زميل روماني" لهم. وكتب جاليليو في واحدة من رسايله يقول: "أقمت مع الآباء اليسوعيين وكانوا قد تحققوا من الوجود الفصلي للكواكب الجديدة، ظلوا يوالون أرصادها لمدة شهرين، وقارننا ملاحظاتنا وأرصادنا فوجدناها متفقة كل الاتفاق" (Fulop-Miller, Jesuits, 397.).

أمَّا في العصر الحاضر، في النقاش الدائر بين الخلقيين والتطوريين (واللي هنتكلم عنه قريب)، بيكتب ريتشارد دوكينز في كتابه "the greatest show on earth" عن الأساقفة ورجال الدين المسيحيين المؤمنين بالتطور، ومعندهمش مشكلة مع النظريات العلمية، وبيرجع مُعارضي التطور لقلة من غير المُطَّلعين –بحسب وصفه- ويقول: "إنَّ رئيس أسقفة كانتبري Canterbury، ليس لديه مشكلة مع التطور، ولا بابا روما (متغاضين عن التردد العارض بشأن علم الوجود القديم وفكرة روح الإنسان)، ولا القساوسة المثقفين وأساتذة اللاهوت، أمثال الأب الموقر ريتشارد هاريس أسقف أكسفورد، سير ديفيد أتنبورو زميل بالجمعية الملكية، الأب كريستوفر هربرت أسقف سانت ألباني، لورد ماي لوكسفورد رئيس الجمعية الملكية، جون أوليفر أسقف هيرفورد، مارك سانتر أسقف برمنجهام، توماس بتلر أسقف ساوثورك، كينيث ستيفينسون أسقف بورتسموث. هذا كتاب عن الأدلة اليقينية على أن التطور حقيقة علمية. إنه ليس يقصد إلى أن يكون كتابًا ضد الفكر الدينيّ، فلقد قمتُ بهذا من قبل، فهذا قميصٌ آخر، ليس هذا هو مكان لبسي له مجددًا. فإن كثرة من الأساقفة واللاهوتيين الذين أصغوا إلى الأدلة على التطور قد أقلعوا عن الصراع ضدها. بعضهم على مضض، وبعضهم كالأسقف Richard Harries بحماس. لكن الجميع -عدا غير المطلعين علميًا على نحو تعيس- مضطرون لقبول حقيقة التطور. ربما يعتقدون أن الله كان له يد في بدء عملية التطور".
(Richard Dawkins, The Greatest Show on Earth_ The Evidence for Evolution-Free Press (2009), CH. 1, P. 8.).