مختصر تاريخ القرن الأوّل[1]
يسوع والرسل
يبدأ القرن الأول من العصر المسيحي بميلاد يسوع المسيح
من العذراء مريم في بيت لحم. عاش المسيح، وكرز، وقام بأعمال عظيمة، وصُلب، وقام من
بين الأموات، وصعد إلى السماء في العقود الأولى من القرن الأول. بعد صعوده إلى السماء،
أرسل الله الروح القدس على تلاميذ المسيح في عيد العنصرة (أعمال الرسل 2)، مما
مكنهم من حمل إنجيل المسيح إلى أقاصي العالم المعروف.
خلال
حياته على الأرض، اختار يسوع التلاميذ - أولاً الاثني عشر (متى 10: 2-4) ثم
السبعين (لوقا 10: 1). دربهم ليكونوا قادة كنيسته. بعد العنصرة، بشر الرسل بإنجيل
المسيح على نطاق واسع. لا نعرف بالضبط أين سافر جميع الرسل، لكننا نعرف الكثير عن
الرحلات التبشيرية للقديس بولس، والتي تم تسجيلها في سفر أعمال الرسل (الأصحاحات
13-28). في رحلاته الواسعة، أسّس القديس بولس العديد من الكنائس في آسيا الصغرى
واليونان. مات جميع الرسل الاثني عشر (بما في ذلك القديس متياس، الذي حلّ محلّ
يهوذا - أعمال الرسل 1: 15-26) وباستثناء القديس يوحنا، وكذلك العديد من السبعين
استشهدوا لإيمانهم بالمسيح.
لقد
كتبت الأناجيل والرسائل، وكل الكتب السبع والعشرين التي اختارتها الكنيسة في
النهاية لتكون أسفار العهد الجديد، في القرن الأول. وفي هذا الوقت أيضًا، تأسست
مجتمعات مسيحية في المدن الرئيسية في سوريا وآسيا الصغرى واليونان ومصر، وحتى في
أرمينيا والهند.
ولأنّ
الكنيسة في أنطاكية كانت تنمو بشكل كبير، ذهب القديسان بولس وبرنابا إلى هُناك
للتبشير والتعليم. وهُناك دُعيَّ أتباع المسيح مسيحيّين لأوَّل مرة (أعمال الرسل
11: 19-30). كما أرسلت هذه الكنيسة القديسين بولس وبرنابا في رحلتهما التبشيرية
الأولى (أعمال الرسل 13: 1). ورُبَّما تفوَّقت أنطاكية على القدس باعتبارها المركز
المسيحيّ الرائد بحلول الوقت الذي فرَّ فيه المسيحيّون من القدس قبل وقت قصير من
اندلاع الثورة اليهوديّة ضد الرومان في عام 66 م.
تأسّست
الكنيسة أيضًا في روما. وقد تعزّزت المكانة الطبيعيّة للكنيسة في روما باعتبارها
عاصمة الإمبراطوريّة عندما استشهد الرسولان الأعظمان، القديسان بطرس وبولس، هُناك
في عهد الإمبراطور نيرون حواليّ عام 67 م. وأصبحت قبورهما أماكن مهمّة للزيارة،
وتم تأسيس عيدهما المشترك (29 يونيو) في الكنيسة بحلول منتصف القرن الثاني.
ورغم
أنّ المسيحيّين الأوائل كانوا يهوداً، فإنَّ المسيحيّين الأوائل كانوا يكتبون
باللغة اليونانيّة، وهي اللغة السائدة في الإمبراطورية الرومانية. وحتى الكنيسة في
روما كانت تستخدم اللغة اليونانية حتى بداية القرن الثالث.
الكنيسة
كانت الكنيسة المسيحية في البداية ظاهرة محليّة لم تنتشر
إلَّا فيما بعد إلى المناطق الريفيّة. وكانت تتألَّف في الأساس من أناس ينتمون إلى
ما نسميه اليوم "الطبقة المتوسطة" في المجتمع. وليس صحيحاً أنّ المسيحيّة
اكتسبت موطئ قدم لها في العالم في المقام الأوَّل بين الناس غير المُتعلمين
والمتخلفين الذين كانوا يبحثون عن العزاء السماويّ في مواجهة ظروف معيشيّة ظالمة
لا تطاق على الأرض.
كان القرار الأكثر أهمّيّة الذي كان على الكنيسة أن
تتخذه خلال القرن الأوَّل هو ما إذا كان من الممكن قبول الأشخاص غير اليهود
(الأمميين) في الكنيسة بالإيمان بالمسيح دون أن يُطلب منهم اتباع المتطلبات الطقسيّة
للشريعة الموسويّة، بما في ذلك الختان. بناءً على فهم القديس بولس للعهد القديم،
وعلى شهادة القديس بطرس حول كيفيّة تلقي قائد المئة الروماني كورنيليوس وأسرته
للروح القدس حتّى بينما كان بطرس لا يزال يتحدث إليهم (أعمال الرسل 10 و11)، قرَّر
أول مجمع للكنيسة، الذي عقد في أورشليم في حوالي عام 49 م، أنّ المتحولين من الأمم
لن يخضعوا للشريعة الموسويّة (أعمال الرسل 15). يُعتبر هذا المجمع، الذي عُقِد تحت
قيادة القديس يعقوب، أخو الرب وأوّل أسقف لأورشليم، النموذج الأوليّ لجميع مجامع
الكنيسة اللاحقة.
وبينما دخلت الكنيسة المسيحيّة المجتمع الإمبراطوري
الروماني "تحت حجاب" اليهوديّة، سرعان ما انفصلت عن الإيمان اليهوديّ.
واحتضنت الكنيسة كلّ أولئك، مهما كانت خلفيتهم العرقيّة، الذين من خلال الإيمان
بيسوع ربًا ومسيحًا، ومن خلال التوبة عن الخطيئة، والكنيسة، والمعموديّة، اندمجوا
في جسد المسيح، وأيضًا بوضع يد أحد الرسل أو أحد الذين رُسموا من قِبَل أحد الرسل،
تلقّى المسيحيّون الجُدد عطيّة الروح القدس (انظر أعمال الرسل 2: 37-39 و8:
14-17)، ثمّ شاركوا في الاحتفال بالعشاء الرباني.
لقد ازداد انفصال الكنيسة عن اليهودية حدة عندما سحق
الجيش الرومانيّ في عام 70 م ثورة اليهود ضد حكم روما. لقد دمَّر الرومان الهيكل
اليهوديّ، مما وضع حدًّا للعبادة والتضحية الحيوانيّة (التي كانت تتمّ في البداية
في خيمة الاجتماع، ثمّ في الهيكل) والتي كانت مركزيّة لليهوديّة منذ زمن موسى.
بالنسبة للمسيحيّين، كان تدمير الهيكل تحقيقًا لنبوءة المسيح (متى 24: 1-2)،
والدليل النهائيّ على أنّ الرب يسوع قد أعطى الملكوت بالفعل لكلّ من آمن به، سواء
من اليهود أو من الأمم.
لقد تأسّست الكنيسة في كلّ مكان كجماعة محليّة. وكانت
تجتمع في كثير من الأحيان في بيوت خاصّة، مثل بيت القديسين بريسكلا وأكيلا ـ أوَّلاً
في أفسس (1كو16: 19) ثمّ في روما (روم16: 3-5). وكانت هذه الجماعات المبكرة يقودها
أولئك الذين يُدعَون أساقفة (مشرفين) أو شيوخ (قساوسة) تلقوا وضع الأيدي (رسامة)
من الرسل (انظر أعمال14: 23). وبما أنّ الرسل أنفسهم كانوا مدعوين لنشر الإنجيل في
جميع أنحاء العالم، فإنَّهم لم يخدموا كأساقفة، أي قادة محليّين، لأي جماعة مسيحيّة
مُعيَّنة في أي مكان.
كان لكلٍّ من الجماعات المسيحيّة الأولى طابعها الفريد
وتحديَّاتها، كما تكشف كتابات العهد الجديد. كانت كلّ كنيسة تهتمّ كثيرًا
بالآخرين، وكانت جميعها مدعوة لتعليم نفس العقائد وممارسة نفس الفضائل، والعيش
معًا في نفس حياة الشركة والعبادة المُقدَّسة في المسيح والروح القدس. يكتب القديس
لوقا أنّ الكنيسة الأولى في أورشليم "واظبت على تعليم الرسل والشركة وكسر
الخبز والصلوات" (أعمال 2: 42). كانت روابط المحبّة والإيمان قوية جدًّا بين
المسيحيّين الأوائل حتّى أنّهم "كانوا يمتلكون كل شيء مشتركًا، ويبيعون
ممتلكاتهم ومقتنياتهم ويقسمونها بين الجميع كما يحتاج كل واحد" (أعمال 2:
44-45).
وهكذا، فإنَّ الكرازة وتفسير إنجيل الله في يسوع،
والبنية الأساسيّة للكنيسة، والطبيعة الأساسيّة للعبادة المسيحيّة، كانت كُلّها في
مكانها الصحيح بحلول نهاية القرن الأول.
[1]
Church History, Volume 3, written by Protopresbyter Thomas Hopko and
revised and expanded by Dr. David C. Ford.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق