الامبراطور قسطنطين[1]
بدايات حياة قسطنطين
المصادر بتختلف في تحديد سنة ميلاد قسطنطين (جايوس فلافيوس فاليريوس قسطنطينوس Gaius Flavis Valerius Constantinus)، لكن الأرجح إنه اتولد في نايسوس اللي هي في صربيا حالياً، ما بين سنة 272م و285م. والده ماكنش مجرد قائد عسكري، لكنه كان قيصر الغرب، وده خلا قسطنطين يعيش طفولته وشبابه في البلاط الإمبراطوري، لحد ما بقى ضابط كبير في جيش الإمبراطور دقلديانوس.
في مايو سنة 305م، تنازل الإمبراطوران دقلديانوس وماكسيميان عن العرش، فانتقل الحكم في الشرق لجاليريوس ومعاه مكسيمينوس دايا كـ"قيصر"، وفي الغرب لقسطنطيوس ومعاه فلافيوس فاليريوس سيرفيوس كـ"قيصر". المشكلة إن التعيينات دي ماعجبتش ناس كتير، خصوصًا ماكسينتيوس ابن ماكسيميان، وقسطنطين، لأن كل واحد فيهم كان شايف إنه الأحق بلقب "قيصر".
الإحساس بالخيانة ده ماكنش مجرد غضب مؤقت، لكنه كان بداية لسلسلة من الصراعات الطويلة على حكم الإمبراطورية كلها. وبعد تنازل دقلديانوس، حاول جاليريوس يرضي قسطنطين وسمح له يرجع للغرب سنة 306م عشان يخدم تحت قيادة والده. وقبل ما والده يموت بسبب **لوكيميا- سرطان الدم** (وده سبب لقبه "الشاحب") في يوليو 306م بمدينة يورك، قسطنطين شارك في حملات عسكرية مع والده في بريطانيا ضد البيكتس. في الحملة دي، قدر يكسب لقب **"بريتانكوس ماكسيموس"** للمرة التانية.[2]
بعد وفاة والده، استمر قسطنطين في بناء سمعته كقائد سريع وحاسم، وفي سنة 307م شن هجومًا على **الفرنجة**. في المعركة دي، أظهر قسوته لما رمى **اتنين من ملوك الفرنجة** للوحوش في المدرج بمدينة **ترير**، لكن في نفس الوقت كان عنده جانب متسامح، زي لما أمر بإرجاع أملاك الكنيسة اللي كانت مصادرة قبل كده.
بالتدريج، كسب احترام الجيش وأثبت لجنوده، حتى الكبار والأكثر خبرة، إنهم يقدروا يعتمدوا عليه كقائد قوي وحكيم.
بعد وفاة قسطنطيوس والانتصارات اللي حققها في بريطانيا، الناس كانت متوقعة إن قسطنطين يكون الإمبراطور الجديد للغرب، لكن اللي حصل إن **سيفيروس** (القيصر وصديق جاليريوس المقرب) هو اللي اتعين في المنصب، رغم إن فيه كلام إن قسطنطيوس قبل وفاته كان سمّى ابنه "أوغسطس". بغض النظر عن القرار الرسمي، جيش قسطنطين أعلنوه **أوغسطس** بنفسهم، لكن **جاليريوس رفض يعترف بيه** وقرر يعين نفسه قيصر بدلًا منه.
في نفس الوقت، ماكسينتيوس، اللي كان أصلاً مستبعد سنة 305م، تجاهل جاليريوس وقسطنطين وأعلن نفسه أوغسطس في أكتوبر 307م، ومع دعم شعب روما والحرس الإمبراطوري، سيطر على صقلية، كورسيكا، سردينيا، وأجزاء من شمال إفريقيا. بعد فترة، بقى فيه ستة أشخاص بيطالبوا بحكم الغرب!
بسبب علاقته القوية بجاليريوس، سيفيروس ماكنش محل ثقة عند لا قسطنطين ولا ماكسينتيوس، فقرروا يتحدوا ضده بمساعدة ماكسيميان (الإمبراطور السابق)، وتحالفوا مع بعض لمواجهته. لكن سوء حظ سيفيروس إنه كان مكلف بوقف ماكسينتيوس، فجيشه خانه وتركه بعدما ماكسينتيوس رشاهم بالفلوس! فاضطر يهرب لمدينة رافينا، لكن تم القبض عليه وقتله خارج روما.
وفاته دفعت جاليريوس يحاول يغزو الغرب بجيش، لكنه فشل. وبعدها، في سنة 308م، تشكّلت تتراركية جديدة بنصيحة دقلديانوس، وتم تعيين ليسينيوس (ضابط إيليري وصديق جاليريوس) كأوغسطس جديد، بينما احتفظ قسطنطين بمكانه كقيصر. ولزيادة الفوضى، ماكسيميان، اللي كان مستقر في بلاط قسطنطين كمستشار، خرج من التقاعد سنة 310م وأعلن نفسه أوغسطس، وادعى إن قسطنطين مات!
لكن الحقيقة إن قسطنطين كان مشغول بيحارب الفرنجة assistance،[3] ولما عرف بأمر ماكسيميان، طارده لحد مارسيليا، لكن أهل المدينة رفضوا مساعدته، فاضطر ينتحر ويشنق نفسه بعد ما فقد الأمل.
قسطنطين كان بيراقب كل ده بهدوء، مستني الفرصة المناسبة، ولما شاف إن الإمبراطورية في الغرب بدأت تنهار من نفسها، جمع جيش قوامه 40 ألف جندي، وعبر جبال الألب، وبدأ غزو إيطاليا.
قسطنطين يصبح إمبراطورًا
بسبب قلة الدعم اللي عنده في روما، ماكسينتيوس خرج لمواجهة قسطنطين في معركة حاسمة عند جسر ميلفيان سنة 312م. في الليلة اللي سبقت المعركة، قسطنطين شاف صليب من نور في السماء، وتحته كانت مكتوبة عبارة باللاتينية: *In Hoc Signo Vinces*، اللي معناها "بهذا الرمز انتصر".
رغم إنه كان جيشه أقل عددًا، قدر قسطنطين ينتصر بسهولة على ماكسينتيوس، اللي حاول يهرب راجعًا لروما، لكنه سقط في النهر وغرق قبل ما يوصل، وتم العثور على جثته اليوم التالي وسط آلاف القتلى.
إيمان قسطنطين بالمسيحية كان نقطة تحول تاريخية، حيث أصبح لأول مرة فيه ارتباط واضح بين الكنيسة والدولة. بعدها، استلم السيطرة الكاملة على الغرب، وأول حاجة عملها بعد دخوله روما كانت إصدار مرسوم ميلان، اللي كان بمثابة إعلان التسامح الديني لكل الأديان، وشارك في توقيعه لاحقًا ليسينيوس.
أما في الشرق، فكان جاليريوس هو الإمبراطور ومعاه مكسيمينوس دايا كقيصر. لكن جاليريوس مات بسبب السرطان، وبعد موته، مكسيمينوس وليسينيوس بدأوا الصراع للسيطرة على الشرق، واتفقوا في البداية على تقسيم المنطقة بينهم، فحصل ليسينيوس على البلقان، بينما مكسيمينوس سيطر على آسيا الصغرى والمقاطعات الشرقية.
لكن الاتفاق ده ماستمرش، وسنة 313م تقابلوا في سهل "تراقيا" في معركة قوية. زي ما عمل قسطنطين في جسر ميلفيان، ليسينيوس حارب تحت راية الصليب، لكن مش بسبب إيمانه، بل فقط لكسب دعم المسيحيين، لأنه كان بيواجه مكسيمينوس اللي وعد بالقضاء على المسيحيين تمامًا!
رغم قلة عدد جيش ليسينيوس، إلا إنه انتصر، وبعدها انتحر مكسيمينوس، فاستولى ليسينيوس بالكامل على الشرق.
وبعد ما ثبت حكمه، أعدم أبناء جاليريوس وسيفيروس، وكمان عائلة مكسيمينوس وحتى ابنة دقلديانوس، عشان يضمن إنه مفيش حد ينافسه على العرش!
كان فيه هدنة غير مستقرة بين ليسينيوس وقسطنطين، وده جزئيًا بسبب زواج ليسينيوس من كونستانتيا، أخت قسطنطين غير الشقيقة. في أول مواجهة بينهم في أكتوبر 316م، قسطنطين انتصر عليه في معركة سيبالا، وبعدها حصلت معركة تانية جنب هادريانوبوليس، اللي انتهت بتنازل ليسينيوس عن أراضٍ في البلقان لصالح قسطنطين.
لكن خلال السنوات اللي بعد كده، ليسینيوس بدأ يغير موقفه تجاه المسيحيين، وبدأ في إعدام بعضهم وتدمير عدد من الكنائس، وده خلّى قسطنطين يجهز جيشه من جديد لمواجهته، وانتهت المعركة التانية عند هادريانوبوليس بانتصار قسطنطين مرة أخرى، لكن ليسينيوس قدر يهرب من أرض المعركة باتجاه مضيق البوسفور.
في سبتمبر 324م، حصلت المعركة الحاسمة عند كريسوبوليس، ودي كانت النهاية لليسینيوس، اللي استسلم لقسطنطين. حاول يطلب العفو ويعيش حياته كمواطن عادي، وبالفعل قسطنطين وافق مبدئيًا، لكنه رجع في كلامه بعد فترة، وأمر بإعدام ليسينيوس سنة 325م، وحتى ابنه اللي كان عمره تسع سنين اتقتل.
بانتصار قسطنطين، اتوحدت الإمبراطورية الرومانية بالكامل من جديد.
قسطنطين والمسيحية
خلال سنوات حروبه في الغرب، كان دايمًا بيظهر تسامح ديني مع الوثنيين والمسيحيين معًا، وكان بيقول إنه بقى مسيحي من سنة 312م. والدته هيلينا كانت مسيحية متدينة، وبعد ما أصبح إمبراطور، بعتها في رحلة حج للأراضي المقدسة، وهناك بنت كنيسة المهد في بيت لحم. رغم إنه كان بيعبد إله الشمس في شبابه، وبعض المصادر بتقول إنه مات قبل ما يتعمد، إلا إنه كان بيظهر بشكل واضح إنه مسيحي ملتزم. بعض المؤرخين بينسبوا له إنه جعل المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية، رغم إن فيه مؤرخين تانيين بينسبوا الفضل للإمبراطور ثيودوسيوس، خصوصًا إن عملاته كانت عليها رموز وثنية زي سول إنفيكتوس والمريخ. لكنه في نفس الوقت فرض قيود على بعض الطقوس الوثنية، زي منع الذبائح الوثنية، مصادرة كنوز المعابد، إلغاء مسابقات المصارعة، منع الصلب، وتشريع قوانين ضد الفساد الأخلاقي والبغاء الطقسي.
في سنة 325م، دعا قسطنطين رجال الدين من كل أنحاء الإمبراطورية لحضور مجمع نيقية، وطلب منهم توحيد الصفوف. المجمع انتهى بإدانة تعاليم أريوس وخرج منه قانون الإيمان النيقاوي، اللي حدّد تعريف المسيحية بشكل رسمي.
بعدها بسنة، في 326م، تعرض قسطنطين لاختبار صعب في إيمانه، لما أمر بإعدام ابنه كريسبوس من زوجته الأولى مينرفينا بعد اتهامه ظلمًا بالزنا. حسب بعض المصادر، زوجته الثانية فاوستا كانت السبب في الاتهامات، لأنها كانت بتحب كريسبوس لكنه رفضها، فقررت تتهمه زورًا. ولما اتضح إنه بريء، فاوستا انتحرت، وقسطنطين ندم على اللي حصل باقي حياته.
[2] لقب Britannicus Maximus كان يُمنح للإمبراطور الروماني الذي حقق انتصارات كبيرة في
بريطانيا. كلمة Britannicus تعني "منتصر في بريطانيا"، بينما Maximus تعني "الأعظم"، مما يجعل المعنى
الكامل هو "أعظم المنتصرين في بريطانيا". هذا اللقب كان يُستخدم لتكريم
القادة الذين قادوا حملات ناجحة ضد القبائل البريطانية
[3] الفرنجة كانوا مجموعة قبائل جرمانية غربية شكلت
تحالفًا قويًا في العصور القديمة. ظهروا لأول مرة في التاريخ حوالي 260م عندما
غزوا مناطق الإمبراطورية الرومانية عبر نهر الراين.
كان التحالف مكوّنًا من عدة قبائل، منها الساليون، السيكامبريون،
التشامافيون، التشاتيون، البروكتريون، واليوسيبيتس. استقروا في شمال بلاد الغال
(اللي هي فرنسا حاليًا وأجزاء من غرب ألمانيا)، وأسسوا إمارة شبه مستقلة هناك.
لاحقًا، أصبحوا القوة المسيطرة في المنطقة، وأدى ذلك إلى ظهور السلالة الميروفنجية
في القرن الخامس الميلادي، اللي كانت بداية لتأسيس مملكة الفرنجة، اللي تطورت
لاحقًا إلى الإمبراطورية الكارولنجية تحت حكم شارلمان.
اسم فرنسا الحديثة مأخوذ من هذه القبائل، لأنهم كانوا القوة الأساسية
اللي شكلت هويتها السياسية والتاريخية.